العراق / وكالة القمة العربية الاخبارية
دعوات إلى ضرورة تشريع قوانين تسهم في الاستفادة منها وتشجيع شركات أجنبية على استخراجها وتصديرها
يمتلك العراق ثروات معدنية عدة إلى جانب الثروة النفطية التي تغطي نسبة كبيرة من الموازنة العامة لبلاد الرافدين، إذ تشكل فرصاً استثمارية للصناعات التعدينية والإنشائية، لكنها تواجه معوقات بالجملة.
وتزداد حاجة العراق اليوم إلى استثمار تلك الثروات ووضع خطط مستقبلية لتكون رافداً رئيساً للاقتصاد الوطني، وناقشت لجنة الاقتصاد والصناعة والتجارة، الخميس الماضي، خلال اجتماع مشترك مع لجنة الاستثمار والتنمية بحضور الكادر المتقدم في وزارة الصناعة والمعادن مشروع قانون الاستثمار المعدني.
وقالت الدائرة الإعلامية في مجلس النواب في بيان إن ” أكدت خلال الاجتماع الذي عقد في مقر اللجنة المضي بتشريع القانون بما يتلاءم والواقع الصناعي وإدخال التعديلات التي من شأنها تطوير الصناعة في العراق”، وأضافت أن “أهم فقرات مشروع القانون نوقشت واتفق على أخذ مقترحات الجانب الحكومي ممثلاً بوزارة الصناعة فضلاً عن القطاع الخاص من صناعيين وأصحاب معامل” ونوهت إلى أنه “جرى خلال الاجتماع تعديل بعض فقرات القانون تمهيداً لعرضه للقراءة الأولى”.
وأكدت أن “المجتمعين شددوا على ضرورة تشريع مثل هذه القوانين للمساهمة في تطوير استثمار المعادن الموجودة في باطن الأرض من مقالع ومناجموتشجيع الشركات الأجنبية والعراقية على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي”.
لم تستثمر بعد
بدوره يرى أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي أن “العراق يمتلك ثروة معدنية هائلة، إلى جانب الثروة النفطية، إلا أن هذه الثروة لم تستثمر بعد ولم تتم الاستفادة من كامل طاقتها. وبحسب الخطة المستقبلية للعراق التي وضعت عام 1981، فإن استثمار جميع الثروات المعدنية والغازية في البلاد سيكون من نصيب جيل ما بعد 2050. هناك كثير من الاقتصاديين ضد هذا القرار، لكن أنا من وجهة نظري، لو تم استثمار تلك الثروة في الفترة الماضية، لتبددت الآن، كما تبددت عائدات النفط خلال السنوات الـ20 الماضية”.
ويعتقد السعدي بأن “تلك المعادن في العراق يمكن أن تكون مورداً رئيساً بعد نضوب النفط، إلا أنها تحتاج إلى شركات عالمية لاستخراجها وتصديرها، إضافة إلى أن تلك المعادن أكثر عدلاً من النفط، فهي موزعة على جميع محافظات البلاد”، إذ إن آخر مسح أجرته هيئة المسح الجيولوجي العراقية بالتعاون مع جامعات تكريت وبابل والأنبار، أظهر أن العراق يحتوي على عشرات المعادن بكميات كبيرة منها بعض المعادن النادرة كاليورانيوم والذهب والفضة والزئبق الأحمر والكبريت الحر، فضلاً عن الحديد والنحاس والقصدير والكروم والنيكل والألمنيوم وغيرها من المعادن موزعة تقريباً على جميع محافظات العراق، من جنوبه إلى شماله ومن غربه إلى شرقه.
وأوضح السعدي أن المسح الأخير اعتمد على بيانات عام 1966 حين كانت أكبر حملة استكشاف في العراق منحت لمصلحة شركات بريطانية آنذاك ورفضت بغداد حينها عروض الشركات للبدء بالاستثمار، إذ كانت ترفع شعار “ضمان مستقبل الأجيال بعد نضوب النفط”، كما يبين أن نحو 80 في المئة من المعادن في البلاد غير مستثمرة مثل الذهب والزئبق واليورانيوم والنحاس، لافتاً في الوقت ذاته إلى وجود عمليات سرقة للزئبق بطرق بدائية تجري في جنوب العراق من قبل عصابات ويتم تهريبه إلى دولة إقليمية مجاورة.
وشدد على أن “ما يحتاج إليه العراق الآن هو وضع خطط مستقبلية، لذا يجب على الدولة الإشراف على تعديل قانون الاستثمار المعدني النافذ رقم 91 لسنة 1988 ووضع مشروع لقانون جديد في هذا المجال يتناسب مع تطور الفكر والتوجه الاقتصادي للبلاد وبما يتيح تنشيط قطاع المعادن والتعدين ليصبح رافداً مهماً في الاقتصاد الوطني مستقبلاً. وأيضاً يجب العمل على إنشاء معامل تابعة لوزارة الصناعة والمعادن وصيانة الموجود منها، فضلاً عن أهمية إشراك القطاع الخاص وفتح مكاتب في عدد من المحافظات العراقية إيماناً بأهمية تعريف هذه المحافظات بالموارد المعدنية الطبيعية المتوافرة لديها، فضلاً عن إرشادها إلى كيفية التعامل بشأن استثمارها، وهذه المكاتب تؤدي أعمالاً استشارية للحكومات المحلية في كل محافظة”.
ويرى السعدي أن الثروة المعدنية في العراق بأنواعها المختلفة لم تستثمر بشكل يضمن تحقيق موارد مالية كبيرة للبلاد، لكن تفشي الفساد المالي والإداري واعتماد نهج المحاصصة وغياب الاستراتيجية الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي والأمني، كلها عوامل تعوق عمليات الاستكشاف المعدني واستثمار الثروة المعدنية، على رغم أن استثمار الكبريت والفوسفات والسيليكا عالية النقاوة يمكن أن يعود على خزانة الدولة بمبالغ تتراوح بين 4 و6 مليارات دولار سنوياً. لذلك من الضروري إصدار الجهات المعنية في العراق خريطة طريق ودليلاً للاستثمار المعدني وتوفير المعلومات الخاصة بهذا الجانب وعرض فرص الاستثمار أمام الشركات العالمية الرصينة لاستثمار المعادن وهي كثيرة بموجب قانون الاستثمار الذي يضمن مصالح الطرفين مع حماية قطاعات الاقتصاد الوطني من هيمنة رأس المال الأجنبي، بما يحول دون التحكم بالثروات الوطنية وفقاً لضوابط محددة مع قيام الدولة بوضع السياسات التعدينية الاستراتيجية للبلاد ومراقبة حسن تنفيذها من قبل قطاعي الدولة والخاص.
ونوه إلى أن كثيراً من معادن العراق ما زالت في مكانها وغير مستثمرة بشكل جيد، كما أن استثمار المعادن يحتاج إلى أموال وإلى قانون متكامل ولكن كل ما تم ذكره يجب تنفيذه عندما يكون هناك استقرار سياسي وحكومة قوية قادرة على السيطرة وفرض قوة الدولة والقانون سواء على المستثمرين أو الشركات المحلية والدولية. أما مع الوضع الحالي وضعف الأداء الحكومي، فالأفضل أن يبقى الوضع كما هو حتى لا تهدر هذه الثروات الوطنية كما هدرت الثروة النفطية.
فرص استثمارية
في المقابل يؤكد الباحث الاقتصادي بسام رعد أن العراق يمتلك كثيراً من خامات المعادن الصناعية الفلزية واللافلزية مثل الفوسفات والكبريت الحر ورمال السيلكا وغيرها في مناطق مختلفة من أراضيه وهي تشكل فرصاً استثمارية للصناعات التعدينية والإنشائية، إلا أنه بسبب قدم التشريعات وعدم الاهتمام باستثمارها، باتت تواجه معوقات بالجملة إذ إن آخر قانون صدر هو القانون رقم 91 لسنة 1988 وهذا القانون يحدد الخطوط العريضة والقواعد الخاصة بالاستثمارات في قطاع المعادن ولا يجيز هذا القانون تصدير المعادن الخام ولكن أجاز أن تقوم عليها معامل لصناعات تحويلية وتصدير المواد المصنعة للخارج.
وكشف رعد عن أنه طوال الفترة الماضية لم يتم ضخ استثمارات مالية لتوظيف هذه الموارد بالشكل الأمثل، بالتالي تشريع قانون يتلاءم مع استثمار هذه الثروة بات ضرورياً. ولا بد من أن يكون التشريع الجديد قائماً على فلسفة الإنتاج والتطور، إذ إن قطاع التعدين والصناعات التحويلية المتعلقة به يمثل أحد أبرز خيارات التنويع الاقتصادي وعلى الدولة التركيز على هذا القطاع في خططها التنموية.